فصل: من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة {لم يكن} بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: نزلت سورة {لم يكن} بمكة.
وأخرج أبو نعيم في المعرفة عن اسماعيل بن أبي حكيم المزني أحد بني فضيل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ليسمع قراءة {لم يكن} فيقول: أبشر عبدي فوعزتي وجلالي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى».
وأخرج أبو موسى المديني في المعرفة عن اسماعيل بن أبي حكيم عن مطر المزني أو المدني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليسمع قراءة {لم يكن الذين كفروا} فيقول: أبشر عبدي فوعزتي وجلالي لا أنساك على حال من أحوال الدنيا والآخرة ولأمكنن لك في الجنة حتى ترضى».
وأخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردويه عن أبي حبة البدري قال: «لما نزلت {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها، قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة. قال أبيّ: وقد ذكرت ثم يا رسول الله؟ قال: نعم فبكى».
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا} قال: وسماني لك؟ قال: نعم فبكى»، وفي لفظ: «لما نزلت {لم يكن الذين كفروا} دعا أبيّ بن كعب فقرأها عليه، فقال: أمرت أن أقرأ عليك».
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححه عن أبيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} فقرأ فيها ولو أن ابن آدم سأل واديًا من مال فأعطيته لسأل ثانيًا، ولو سأل ثانيًا فأعطيه لسأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل ذلك فلن يكفره».
وأخرج أحمد عن أبيّ بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك فقرأ علي {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيرًا فلن يكفره».
قال شعبة: ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ «لو أن لابن آدم واديًا من مال لسأل واديًا ثانيًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب»، قال: ثم ختم بما بقي من السورة.
وأخرج ابن مردويه عن أبيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبيّ إني أمرت أن أقرئك سورة فأقرآنيها».
{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة} أي ذات اليهودية والنصرانية إن أقوم الدين الحنيفية مسلمة غير مشركة، ومن يعمل صالحًا فلن يكفره {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لما جاءهم أولئك عند الله شر البرية، ما كان الناس إلا أمة واحدة ثم أرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين يأمرون الناس يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويعبدون الله وحده، وأولئك عند الله هم خير البرية {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه}.
وأخرج أحمد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل عمر ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس، ثم قال له عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإِبل.
قال ابن عباس: قلت صدق الله ورسوله لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. فقال عمر: ما هذا؟ فقلت: هكذا اقرآني أبيّ.
قال: فمر بنا إليه فجاء إلى أبيّ فقال: ما تقول هذا؟ قال أبيّ: هكذا أقرآنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: إذًا أثبتها في المصحف؟ قال: نعم.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: قلت يا أمير المؤمنين: إن أبيًّا يزعم أنك تركت من آيات الله آية لم تكتبها.
قال: والله لأسألن أبيًّا فإن أنكر لتكذبن. فلما صلى صلاة الغداة غدا على أبيّ فأذن له وطرح له وسادة وقال: يزعم هذا أنك تزعم أني تركت آية من كتاب الله لم أكتبها. فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» فقال عمر: أفأكتبها؟ قال: لا أنهاك.
قال: فكأن أبيًّا شك أقول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قرآن منزل.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لما نزلت {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} لقي أبيّ بن كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبيّ إن الله قد أنزل سورة وأمرني أن أقرئكها فقال: الله أمرك؟ قال: نعم.
قال: فافعل.
قال: فاقرأها إياه. أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين} قال: منتهين عما هم فيه {حتى تأتيهم البينة} أي هذا القرآن {رسول من الله يتلوا صحفًا مطهرة} قال: يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} والحنيفية الختام وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والمناسك {ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} قال: هو الذي بعث الله به رسوله وشرعه لنفسه ورضيه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {منفكين} قال: برحين.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {منفكين} قال: منتهين لم يكونوا ليؤمنوا حتى تبين لهم الحق.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {حتى تأتيهم البينة} قال: محمد، وفي قوله: {وذلك دين القيمة} قال: القيم.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: {من بعد ما جاءتهم البينة} قال: محمد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عقيل قال: قلت للزهري تزعمون أن الصلاة والزكاة ليسا من الإِيمان فقرأ {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} ترى هذا من الإِيمان أم لا؟.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح أنه قيل له: إن قومًا قالوا: إن الصلاة والزكاة ليسا من الدين فقال: أليس يقول الله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} فالصلاة والزكاة من الدين.
وأخرج عبد بن حميد عن المغيرة قال: كان أبو واثل إذا سئل عن شيء من الإِيمان قرأ {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى قوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: أتعجبون من منزلة الملائكة من الله؟ والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملك واقرأوا إن شئتم {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: «قلت يا رسول الله: من أكرم الخلق على الله؟ قال: يا عائشة أما تقرئين {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}».
وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل على فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}».
فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل على قالوا: جاء خير البرية. وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعًا: على خير البرية.
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: «لما نزلت {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تسمع قول الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الأمم للحساب تدعون غرًّا محجلين». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة البينة:
قوله جل ذكره:
بسم الله الرحمن الرحيم
{بسم الله} اسم عزيز تتصل إليه المذنبون فغفر لهم وجبرهم: وتوسل إليه المطيعون فوصلهم ونصرهم.
تعرف إليه العالمون فبصرهخم، وتقرب منه العارفون فقربهم لكنه سبحانه في جلاله خيرهم.
قوله جلّ ذكره: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}.
{منفكين}: مُنْتَهين عن كفرهم حتى تأتيهم البيَّنة: وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لم يزالوا مجتمعين عَلَى تصديقه؛ لِمَا وَجَدوه في كُتُبهم إلى أنْ بَعَثَه الله تعالى. فلمّا بَعَثَه حسدوه وكفروا.
{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}.
أي حتى يأتيهم رسول من الله يقرأ كُتُبًا مُطَهَّرَةً عن تبديل الكفار.
{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}: مستوية ليس فيها اعوجاج.
قوله جلّ ذكره: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِنَةُ}.
يعني: القرآن.
قوله جلّ ذكره: {وَمَآ أمرواْ إِلاَّ لَيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.
{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي موحِّدين لا يُشرِكون بالله شيئًا؛ فالإخلاصُ أَلاَّ يكونَ شيءٌ من حركاتك وسَكَنَاتك إلاَّ لله.
ويقال: الإخلاصُ تصفيةُ العملِ من الخَلَلِ.
{حنفاء}: مائلين إلى الحقِّ، عادلين عن الباطل.
{وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ... وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}: أي دينُ الملَّةِ القيمة، والأمة القيِّمة، والشريعة القيِّمة.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ}.
{خَالِدِينَ فِيهَا}: مقيمين: {الْبَرِيَّةِ}: الخليقة.
{إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}.
أي: خير الخلق، وهذا يدل عَلَى أنهم أفضلُ من الملائكة.
قوله جلّ ذكره: {جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا}.
{جَزَآؤُهُمْ}: أي ثوابهم في الآخرة عَلَى طاعاتهم.
{تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}: أي: من تحت أَشجارها الأنهار.
{رَّضىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}.
فلم تَبْقَ لهم مطالبةٌ إلاَّ حَقَّقَها لهم.
{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ}.
أي: خافَهُ في الدنيا.
والرضا سرورُ القلب بمرِّ القضَا.
ويقال: هو سكونُ القلبِ تحت جَرَيان الحُكْم. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا:
قوله تعالى: {وَمَا أمروا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، فِيهِ أمر بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُشْرَكَ فِيهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ ضِدَّ الْإِشْرَاكِ وَلَيْسَ لَهُ تَعلق بِالنِّيَّةِ لَا فِي وُجُودِهَا وَلَا فِي فَقْدِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي إيجَابِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِخْلَاصُ فِي الْعِبَادَةِ وَنَفْيُ الْإِشْرَاكِ فِيهَا. آخِرُ السُّورَةِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة البينة فِيهَا آيَتَانِ:
الْآيَةُ الأولى قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ}.
الْآيَةُ فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى:
فِي قراءتها: قرأهَا أُبَيٌّ: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}؛ وَفِي قراءة ابْنِ مَسْعُودٍ: لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ مُنْفَكِّينَ.
وَهَذِهِ قراءة عَلَى التَّفْسِيرِ؛ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ، لَا فِي مَعْرِضِ التِّلَاوَةِ؛ فَقَدْ قرأ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ}، وَهُوَ تَفْسِيرٌ؛ فَإِنَّ التِّلَاوَةَ مَا كَانَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ الْكَاهِلِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يعلم النَّاسُ مَا فِي {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} لَعَطَّلُوا الْأَهْلَ وَالْمَالَ، وَلَتَعَلَّمُوهَا».
وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ؛ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أمرنِي أَنْ أَقرأ عَلَيْك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}» وَقال: وَسَمَّانِي لَك؟ قال: «نَعَمْ»، فَبَكَى.
المسألة الثَّالِثَةُ:
قوله: {مُنْفَكِّينَ} يَعْنِي زَائِلِينَ عَنْ دِينِهِمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ بِبُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الْبَيِّنَةُ هِيَ: {رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً}، وَهِيَ:
المسألة الرَّابِعَةُ:
قالوا: {مُطَهَّرَةً} مِنْ الشِّرْكِ، وَقالوا: مُطَهَّرَةً بِحُسْنِ الذِّكْرِ، وَقَلْبٌ مُطَهَّرٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ.
وَقَدْ قال مَالِكٌ فِي الْآيَةِ الَّتِي فِي {عَبَسَ وتولى}: {مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} إنَّهَا القرآن وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، كَمَا قال فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ؛ وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوَافِقُ ذَلِكَ وَتُؤَكِّدُهُ فَلَا يَمَسُّهَا إلَّا طَاهِرٌ شَرْعًا وَدِينًا، فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُ ذَلِكَ فَبَاطِلٌ لَا يُنْفَى ذَلِكَ فِي كَرَامَتِهَا، وَلَا يُبْطِلُ حُرْمَتَهَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَبْطُلْ نُبُوَّتُهُ، وَلَا أَسْقَطَ ذَلِكَ حُرْمَتَهُ، وَلَا اقْتَضَى ذَلِكَ تَكْذِيبَهُ؛ بَلْ يَكُونُ زِيَادَةً فِي مَرْتَبَتِهِ فِي الدَّارَيْنِ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {وَمَا أمروا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى:
أمر اللَّهُ عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ، وَهِيَ أَدَاءُ الطَّاعَةِ لَهُ بِصِفَةِ الْقُرْبَةِ، وَذَلِكَ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ بِتَجْرِيدِ الْعَمَلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا لِوَجْهِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ؛ فَدَخَلَتْ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ دُخُولَ الصَّلَاةِ.
فإن قيل: فَلِمَ خَرَجَتْ عَنْهُ طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ يَعْتَرِضُ عَلَيْكُمْ فِي الْوُضُوءِ؟.
قلنا: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مَعْقولةُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ، لَكِنْ بِمُزِيلٍ مَخْصُوصٍ، فَقَدْ جَمَعَتْ عَقْلَ الْمَعْنَى وَضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ، كَالْعِدَّةِ جَمَعَتْ بَيْنَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالتَّعَبُّدِ، حَتَّى صَارَتْ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ الَّتِي تُحَقِّقُ بَرَاءَةَ رَحِمِهِمَا قَطْعًا، لاسيما وَمَا غَرَضٌ نَاجِزٌ؛ وَهُوَ النَّظَافَةُ؛ فَيَسْتَقِلُّ بِهِ، وَلَيْسَ فِي الْوُضُوءِ غَرَضٌ نَاجِزٌ إلَّا مُجَرَّدُ التَّعَبُّدِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاؤُهُ تَجْرِي بِالْمَاءِ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقول فِيهَا فِي كِتَابِ تَخْلِيصِ التَّلْخِيصِ. اهـ.